لم تتوصل الأحزاب السياسية إلى أي مبادرة مشتركة بإمكانها الضغط على السلطة، للتعامل بشفافية مع ملف الإصلاحات السياسية. يحدث هذا رغم أن هذه الأحزاب اشتكت مما وصفته بـ''انفراد'' السلطة بالملفات السياسية الجوهرية، وعدم إشراك الطبقة السياسية فيها.
انطفأت كل مبادرات الأحزاب التي ولدتها أحداث الشارع في جانفي الفارط، فلم يبق هناك لا التحالف الوطني للتغيير الذي تزعمته حركة الإصلاح بمعية أحزاب أخرى، ولا تنسيقية التغيير بجناحيها الحزبي والمنظماتي، بالرغم من أن الأمور في البلاد ما زالت هي هي، ولم يحدث فيها أي تغيير باستثناء ''وعود'' من السلطة بالشروع في إصلاحات. لقد توقفت كل مبادرات تكتلات الأحزاب ضد السلطة بمجرد أن أعلنت هذه الأخيرة عن حزمة من الإصلاحات، وهو ما يعني أن الطبقة السياسية لم تستطع الصمود في وجه إغراءات السلطة ووعيدها.
بعد مرور قرابة شهر ونصف عن انتهاء هيئة المشاورات من أعمالها، خرجت الأحزاب السياسية، وخصوصا المعارضة منها، لتشكو مجددا من تفرد السلطة بمشروع الإصلاحات وتجاهلها كلية لمطالبها السياسية، وهو ما يعني أنها لاحظت أن السلطة عادت لـ''التغول'' مجددا، بعدما تراجع ضغط الشارع وأفل نجم ما يسمى بـ''الثورات العربية''. لكن بالرغم من تأكد الأحزاب من هذه الحقيقة لدى السلطة، إلا أنها عجزت عن إيجاد تنسيق يوفر لها نوع من الثقل السياسي والحزبي الذي يمكنها من الضغط على السلطات العمومية ويدفعها لتقديم تنازلات. غير أن ردود فعل الطبقة السياسية عموما، والمعارضة منها خصوصا، إزاء تأخر السلطة عن الإفراج عن حزمة الإصلاحات وإحداث التغيير المنشود، يغذي الانطباع بأن السلطة في راحة من أمرها بشأن الوقت الذي ستأخذه مسيرة الإصلاحات، لكونها على قناعة بأن الأحزاب ليس بمقدروها تجنيد الشارع لفائدة طروحاتها، رغم أن مبدأ التغيير يهم الأغلبية الساحقة من المواطنين الجزائريين.
لقد تمكنت السلطة من معرفة بدقة عدم قدرة الأحزاب على تحريك الشارع، بعدما جربت عدة محاولات لذلك منذ شهر جانفي الفارط، ولم يعد يقلق السلطة بشأن مستقبل إصلاحاتها سوى شركائها في الخارج، الذين يتابعون عن قرب كل خطواتها، خصوصا بعدما سبقت الجارة المغرب في الكشف عن مشروعها الإصلاحي، مما يعني أن عيون الغرب موجهة باتجاه الجزائر لمعرفة مدى استجابة السلطة فيها لمطالب مواطنيها، ومدى حصولهم على نصيبهم مما يدعى بـ ''الربيع العربي''.