منتديات الثقافة و الأدب

عضو متقدم

الطفولة البائسة

طفولة مسلوبة … براءة تتبدى على الوجه نيرة كالقمر ليلة البدر … لباس عبارة عن أسمال بالية رسم فيها الدهر خرائط لجزر متناثرة بلون البشرة … سألته: يا غريب من أي البلاد أنت؟ قال: لا أدري… استفسرته: يا مشرد أين بيتك؟ قال لا أدري… قلت: يا يتيم من أبواك؟ قال: لا أدري… و عندما أحس أنني أكثرت من السؤال انتفض و صاح: أف لك يا هذا، ألا تفهم؟ لو كنت أدري ما سكنت الزقاق مفترشا الأرض من تحتي و ما جعلت السماء غطائي الوحيد من فوقي. لو كنت أدري ما رأيتني أقبض بين يدي هذا الكيس البئيس أشمه بلا رحمة رغبة في الرحيل إلى عالم أحلى و أسعد من هذا. أنا ابن الشارع يا ابن الكرام، مثقل بالأحزان حتى النخاع، صامد في وجه عوامل التعرية. طفولتي التي هي كل ما أملك اغتصبت فلم يبق لي ما أخاف عليه، و لذلك أصبح الموت و الحياة سيان بالنسبة لي. أنا لا ألتمس سوى شيء واحد لم أجده بعد: الرحمة… رحمة بي أرجوكم. كفاكم من نظراتكم اللاسعة التي لا تجيد شيئا آخر غير الاحتقار و الإهانة. يكفيكم اغتصابا لطفولتي كل يوم. أنا أعلم أنكم سئمتم أن تجدوني بينكم في كل صباح فاسمحوا لي… أنا لا أنتظر سوى اللحظة المناسبة لأغادر بلا عودة, فلا تنتظروا أن أودعكم لأن ذلك ربما سيأتي فجأة بلا سابق إنذار… ربما بمشنقة أو بتجرع سم أو … أو … و اللائحة تعلمون تفاصيلها يا سادة يا كرام!
…