سطيف
الموقع والمناخ
تقع على بعد 300 كلم، شرق الجزائر العاصمة، هي ثاني
مدينة بعد العاصمة من ناحية الكثافة السكانية، بما يقارب مليوني ساكن.
يطلق
عليها الجزائريون في الغالب عاصمة الهضاب العليا، فموقعها المتميز بين جبال بجاية
وجبال باتنة جعل مناخها السهبي قاريا، تزدهر فيه زراعة القمح والشعير والخضروات
والحمضيات، تطورت ولايةسطيف في السنوات الأخيرة بسرعة فائقة حيث أصبحت مركزا
اقتصاديا وتجاريا كبيرا، عبرت عنه بإنشاء مناطق صناعية وتجارية عديدة، وازدهرت فيها
الحرف التقليدية والخدمات والفنون. والى جانب أنها تضم جامعتين كبيرتين، فهي تحتوي
أيضا على العديد من المعاهد والمراكز العلمية والتكنولوجية. سطيف من بين الولايات
الجزائرية التي تتميز بديناميكية اقتصادية وثقافية قلت مجاراتها في الجزائر، لاغرو
فهي ملتقى طرق كل الجهات الجزائرية، ومعبر اقتصادي وسياحي لا يمكن الاستغناء
عنه.
المدينة اليوم
تعتبر اليوم مدينة سطيف من أهم المناطق السياحية نظرا لما
تتميز به من آثار رومانية مثل صرح جميلة وآثار فاطمية مثل منطقة (بني عزيز) وحمامات
معدنية للاستشفاء كحمام السخنة وقرقور وأولاد يلس وأولاد تبان وكذلك حمام الصالحين
بالحامة جنوبا المعروف بدرجة الحرارة العالية لمياهه المعدنية.
تتميز بتنوع
الأنشطة الاقتصادية بها إذ نجد الزراعة، خاصة زراعة القمح والحبوب وافرة في مناطق
مثل قلال الرصفة بئر حدادة وبني فضة التي يعتبر قمحها من أجود أنواع القموح في
العالم.
كما ازدهرت الصناعة بنوعيها الخفيفة والثقيلة في سطيف بمركب المطاط،
والمدن المجاورة، العلمة وعين الكبيرة وعين ولمان وتيزي نبشار.
من الأسماء
الثقافية والأدبية المعروفة حاليا والتي تنتمي إلى منطقة سطيف الروائي الكبير عبد
العزيز غرمول والروائي الخير شوار وكذا الشاعر الذي يكتب بالفرنسية سعيد زلاقي.و
الكاتب الباحث حرفوش مدني.
الرياضة بسطيف
تمثل كرة القدم في مدينة سطيف أهمية
بالغة وتلقى متابعة من طرف السكان
حيث يعد جمهورها الاروع وخاصة جمهور وفاق
سطيف الذي يعتبر اول فريق احترف في الجزائر
كما له مشاركا عربية ودولية
وافريقية. كما لها فريق اتحاد سطيف ونجم سطيف
تاريخ المدينة
ما قبل
التاريـخ
دلت الأبـحاث والتقنيات الأثرية علـى وجود موقعيـن هامـيـن يـمثلان
حقبة ما قبل التاريـخ هما : عيـن الـحنش ومزلوق.
زراية
تعد من أقدم المناطق
الأثرية على الإطلاق حيث تضم المنطقة الريفية الواقعة على بعد 78كم جنوب عاصمة
الولاية أكثر من ست مواقع تاريخية يعود أقدمها إلى العصر الجوراسي - كاف الزمان-
إلا أن قلة الدراسات بسبب اللامبالاة من طرف الجهات المعنية تركت هذا الكنز تحت
رحمة عوامل الزمن.
عيـن الـحنش
اكتشفت خلال الـحفريات الباليونتولوجية لسنة
1948 من طرف الـباحث ك.أرامبورغ وتمثلت نتائـج هذه الـبحوث فـي مـجموعة من الأدوات
الـحجرية الـجد بدائية وبقايا عظمية حيوانية منقرضة أوحت ببداية الزمن الـجيولوجـي
الرابع - البلاستيوسيـن الأسفل - وقد جلبت ندرة هذا النوع من الصناعات الـحجرية
اهتمام فئة كبيـرة من الباحثيـن الذين أرجعوها إلـى أولـى الثقافات البشرية للعصر
الـحجري القديم الأسفل لـما قبل التاريـخ.
وتعتبـر بقايا الأدوات الـحجرية
لـموقع عيـن الـحنش استمرارية ثقافية لـما أكتشف فـي شرق إفريقيا أو علـى وجه
الـخصوص مـوقع أولدوفاي بطنزانيا.
ونظرا للأهـمية العلـمية والأثرية لـهذا
الـموقع ،تشجع باحثون جزائريون واستأنفوا الأبـحاث الـميدانية (حفريات 1992، 1995)
لتأكيد ما افترضه علـماء أجانب من أن موقع عيـن الـحنش يـمكن أن يـمد البشرية
ويزودها بأقدم بقايا عظمية إنسانية.
عين ارنات
تم اكتشاف هذا الـموقع سنة
1927، حيث أجريت حفريات وبـحوث أثرية من طرف الباحث م. برسيون الذي عثر من خلالـها
علـى أدوات حجرية من الصوان وبقايا عظمية كانت مـحل دراسة لعدة باحثيـن كـ:
م.ماسييـرا، رفوفري الذيـن أدرجوا هذا الـموقع ضمن ثقافات العصر الـحجري ونخص
بالذكر الثقافة الـقفصية التـي عرفت نوعا من التطور الـملحوظ فـي الصناعة الـحجرية،
وذلك بابتكار تقنيات جديدة، أضف إلـى ذلك وفرة الصناعة العظمية والتي تعد من
ابتكارات العصر الـحجري القديم الـمتأخر، دون أن ننسـى عادات الدفن التـي عرفها
الإنسان فـي هذه الفتـرة.
عهد الرومان
كان يقطن ولاية سطيف منذ آلاف السنيـن
سلالة تنتمـي إلـى رجل كرومانيو الذي انـحدر من ذريته الأمازيغ - الرجال الأحرار -
والذين تنظموا علـى شكل قبائل، ولـم تظهر الدولة الـجزائرية للوجود إلا بعد القرن
الثالث والثانـي قبل الـميلاد عندما برزت مـملكتيـن : المـملكة الـمسياسلية التـي
كان يـحكمها سيفاكس، والمـملكة الثانية هـي مسيليا بقيادة مسينيسا.
واختلفت
الأقوال حول ما إذا كانت سطيف تابعة لـمملكة مسينسا أو مـملكة سيفاكس، والأرجـح
أنها كانت للمملكة الـمسياسيلية وهذا لأن مسينسا كان حليفا مـخلصا لروما - وهذا لا
يعكس احتلال الرومان لشمال إفريقيا وثوران الشعب عليه - عكس سيفاكس الذي كان حليفا
لقرطاجنة، وقد أصبحت سطيف عاصمة للبرابرة عام 225 ق.م ولـم تفقد هذه الـمكانة إلا
بعد قدوم "جـوبا" الذي عدل عنها وجعل من مدينة شرشال عاصمة له.
وبعد انهزام
قرطاجنة تـحصل ماسينسا نوميديا جزاء علـى تـحالفه وبقـي تـحت وصاية روما، وبعد
وفاته ووفاة إبنه مسيبسا اشتدت الـمنافسة بيـن الأحفاد ومنهم وأشهرهم يوغرطا الذي
كان ينوي منح الاستقلال إلـى نوميديا، ولـم يتمكن من تـحقيق حـلمه وهدفه، وسـمح ذلك
الإخفاق للرومان بالتدخل لكن الأهالي بقيادة يوغرطا لـم ييأسوا، بل قاوموا ذلك
الغزو، حتـى أن سطيف شهدت أراضيها الـمعركة الشهيـرة والفاصلة بيـن يوغرطا
وماريوس.
ومنذ 105 ق.م حتـى 42 م إزداد تدخل الرومان وأصبح أكثر سفورا، مـما أدى
إلـى نشوب العديد من الثورات أشهرها ثورة تاكفاريناس الذي كان عضوا فـي الـجيش
الرومانـي، وفـي الفترة ما بيـن 17م و 24م نظم جيشا من الأهالـي من بينهم سكان
منطقة سطيف الذين ساهموا مساهـمة فعالة فـي تلك الثورة.
ثم جاء من بعدهم قبائل
الريغة القبالة كما يعرفون الآن وهم من قبائل الزناتة ومن قادتهم ،وكان على رأسهم
الملك البربري ألقاتهن فريدهان ماسكيولس الذي لم ينصفه التاريخ وربما يتجاهلونه عن
قصد، ملك شاب شرس ومغوار ،لكنه لم يفلح في إنشاء مملكة نوميدية خالصة للعرق الشاوي
البربري رغم أن له من يناصرونه من أمراء البربر أي من امراء الجيوش وعلى رأسهم
الأمير الكهم زيليوس ريزاميه البطل الشجاع المذكور في الروايات والقصائد البربرية
الشعبية ودخلوا مدينة مزلوق وأقامو فيها وهناك من كتب التاريخ من يقول أنهم هم من
أسسوا مدينة مزلوق وكانو يهيؤونها لتكون عاصمة نوميدية جديدة بدل التي خسروها في
الشرق_ أنظر كتاب ملوك الشرق (كتاب تركي)، وكتاب آخر المعارك البربرية طبعة
بالفرنسية موجود حاليا بالمكتبة الكبرى بباريس ولكن أدى غدر الخدام أو السيس وهم من
يعرفون الآن بريغة الضهرة إلى مقتل الملك ماكسيلوس القاتهن والأمير الكهم زيليوس
ريزاميه بالسم غدرا وغيلة لأنهم عجزو عن مجابهتهم في الميدان فلجؤو إلى الحيلة
وسمموهم في مأدبة عشاء أقامها الملك على شرف القبائل المنضمة تحت لواءه في يوم
الناير كما تذكر الروايات الشعبية.وكانت للأمراء المتبقون عدت معارك مع ملوك بربر
آخرون من جهة ومع الدولة الرومانية من جهة والتي كان لهم من يحارب لهم بالنيابة
فلمااجتمعت الجيوش عليهم طلبوا من قبائلهم ترك مزلوق والتوجه إلى كاستيلوم
فارطانيانس قصر الطير - قصر الأبطال حاليا- لكن آثرت بعض القبائل العودة إلى الموطن
الأول خاصة قبائل القائد ريزاميه وقرروا عودتهم إلى خنشلة بعدما عملت أيدي الغدر من
العبيد الخدم ريغة الضهرة ما عملت من اغتيالات في صفوف الأمراء وأبنائهم حتى شارفو
من ابادة النسل كله وذالك عملا برأي المنجمون اليهود الذين نصحوهم بئبادت كل أبناء
الملك الشاب منعا من تحقق النبوءة التي تحكي عن ضهور القيصر الموعود الذي سيسترد
عرش أبيه ويبني مملكته على كافة الشمال ومن البحر إلى النهر. وبقيت سطيف بين المد
والجزر إلى أن فتحها المسلمون حوالي سنة 90 هجرية،
أما من الجانب العمراني
والاقتصادي: اهتـم الرومان بسطيف نظرا لـموقعها الـجغرافـي الـممتاز الذي يسيطر
علـى السهول والـهضاب العليا الشاسعة والغنية بالقمح، وتوفرها علـى حقول كبيـرة
للـمياه الـجوفية، وموقعها الإستراتيـجـي عند سفح جبل بابور، التـي كانت مناسبة
للـمقاومة ونقطة انطلاق للثورات ضد الرومان.
ولـهذه الأسباب قرر الإمبراطور
"نـيـرفا" سنة 97م إنشاء مستعمرة لقدماء الـجيش فـي موقع "سيتيفيس" والتـي أطلق
عليها عدة تسميات منها : كولونيا نيرفانيا، كولونيا أوغيسطا، كولونيا مارطاليس،
كولونيا فيتيرنانة، ستيفانسيوم...
وسيتيفيس تسمية رومانية مشتقة من كلمة بربرية
"أزديف" ومعناها التربة السوداء، لذا كانت منطقة سطيف مـخزن القمح لروما، ولذا كثر
اهتمام روما بسطيف.
وفـي بداية التوسع العـمرانـي للرومان إتخذوا من "سيتيفيس"
و"كويكول" مراكز عسكرية تطورت فيـما بعد لتصبح مدنا، وبنهاية القرن 03 م ارتقت
مدينة سطيف لتصبح عاصمة لـموريطانيا السطائفية. والتـي مكنتها من استقلالية إدارية
انعكست علـى الـجانب الاقتصادي فـي صبغة مـحلية ودولية أوصلها إلـى الـتحكم فـي
التبادل الـتجاري وبـخاصة الـحبوب.
ومن أجل تثبيت أقدام الاستعمار الرومانـي
وفرض سيطرته، تـم إنشاء مراكز للحراسة تسمـى :
"كاستيلا" أو"كاستيلوم" عبـر
جـميع الـمستعمرات ومنها سطيف التـي يوجد فيها عدة مراكز للحراسة هـي :
-
كاستيلوم فارطانيانس (قصر الأبطال)
- كاستيلوم ديانانس (سيدي مسعود - قجال) -
كاستيلوم ثيب (ملول - قلال)
- كاستيلوم (بئر حدادة)
- كاستيلوم لوبيرينانس
(الـمغفر-صالـح باي)
- بالإضافة إلـى أخرى فـي حـمام قرقور، عيـن أروى...
الخ.
هذا التحصيـن الأمنـي لـم يسمح إلا بسيطرة نسبية علـى الأمن والسلم
الرومانـي فـي إفريقيا الشمالية، حيث تزعزعت الدولة الرومانية سنة 235م وعرفت بعدها
اخطر الأزمات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التـي أدت بانتفاضات وثورات عبـر كل
إفريقيا الشمالية، واشهرها ثورة "فيرميس" واخيه "جيلدون" والتـي ساهم فيها أهالي
وسكان سطيف بصفة كبيـرة وفعالة.
ونظرا لخطورة الوضع ومواجهة الوضع الـمتردي قرر
الإمبراطور "ديوكرتيان" سنة 297م تقسيم موريطانيا القيصرية إلـى ناحيتيـن :
موريطانيا القيصرية وموريطانيا ستيفانيس التـي عاصمتها سطيف كما ذكرنا سابقا. وعرف
هذا الكيان الإداري الـجديد نموا سريعا ازدهرت فيه بعض المدن : كويكول -جـميلة-،
ومونس، واد الذهب وبنـي فودة وطبعا سيتيفيس.
وباعتراف"قسطنطيـن الأول" سنة 306م
بالـمسيحية دينا للدولة شهدت سيتيفيس وكويكول خاصة حركة عـمرانية مـميزة تـمثلت فـي
أحياء مسيحية كـحـي الكنائس بسطيف، لكن هذا التطور العمرانـي الـجديد وهذه
الإجراءات الـمتخذة لـم تفلح فـي إيقاف الفقر والتدهور الاقتصادي، وبذلك استمرت
الثورات خاصة بعد الزلزال العنيف الذي ضرب سطيف وهدمها عن آخرها 6/5 سنة 419 م حيث
يصف القديس "أوغيستان" هذه الكارثة قائلا : "لقد كانت الـهزات عنيفة إذ أن السكان
أرغموا بالبقاء خارج بيوتهم طيلة 5 أيام".
ثـم بعد ذلك كان عهد الوندال وغزوهم
للمدينة وهذا سنة 429 م عندما قدموا من "طـانـجـا" باتجاه "قــرطاج" ودام هذا العهد
وهذا الاحتلال إلـى غاية سنة 539 م. حيـن بدأ العهد البيزنطـي باحتلال العميد
"سالمون" للـمدينة وقام بتـرميمها - لأنها دمرت علـى إثر الزلزال ولـم يبق إلا عدد
قليل من السكان - وجعلها عاصمة لإقليم موريطانيا الأولـى. وقد شيد بها القلعة
البيزنطية التـي لا يزال سورها الغربـي والـجنوبـي قائما إلـى الآن والتـي تشهد
وتدل علـى أن البيزنطييـن ركزوا علـى الـجانب الدفاعـي بـحيث أنهم حصنوا الـمدن
ودعموها بـمراكز حراسة متقدمة فـي كامل الـمنطقة. وكـخلاصة نقول أن مـجـيء
البيزنطييـن إلـى شـمال إفريقيا كان مـحاولة فاشلة فـي إحياء مـجد الإمبراطورية
الرومانية لأن الـهيمنة البيزنطية لـم تستـمر طويلا نظرا لعدم سيطرتها علـى زمام
الـحكم نتيجة تزايد الثورات وحتـى الإمبراطورية البيزنطية ضعفت واستكانت أمام دعوة
الـحق والعدل والـحرية والإسلام. وخلال كل هذه الفترة برزت عدة مناطق أثرية لـها
قيمتها الـمحلية وحتـى الدولية
عــهد الإسـلام
بقيت الـمدينة علـى هذا
الوضعية منذ ذلك العهد، وحتـى العهد العثمانـي لـم تشهد فيه سطيف تطورا مـلحوظا
بسبب أن قسنطينة كانت هـي بايلك الشرق وبذلك ذهب الاهتمام إليها - قسنطينة - وقد
شهدت الـمدينة عدة معارك كبرى بيـن باي تونس وباي قسنطينة فـي العهد
التـركـي.
كـما نـجد بأن العمائر العثمانية تكاد تكون منعدمة فـي سطيف حيث نـجد
بعض الزوايا الـمتواجدة فـي الـمرتفعات والـجبال، وكذلك مـسجد العتيق الـواقع وسط
الـمدينة فهو يـمتد إلـى العهد العثمانـي، وخاصة مئذنته التـي ما زالت تشهد إلـى
اليوم عبقرية الفن الإسلامـي.
أما آثار هذه الـحقبة، فقد أجريت حفريات من 1977
إلـى 1982 بالقلعة البيزنطية - حديقة التسلية - كشفت لأول مرة عن وجود حـي إسلامـي
يعود تاريـخه إلـى القرنيـن 9 و10 م يعكس بداية العمارة الإسلامية ويؤكد ما وصفه
الـجغرافيون والـمؤرخون العرب خلال القرون الوسطى علـى أن الـمدينة كانت فـي أوج
تطورها وازدهارها حيث كانت نقطة عبور لنشاط تـجاري مكثف - كـما ذكرنا سابقا -
ويتـمثل فيها الـمستوى العمرانـي الإسلامـي فـي تـجمع عدد كبيـر من الـمنازل مـخططة
ومربعة الشكل، كل منزل له فناء مركزي وأربع جهات نظمت علـى شكل أجنحة تـحيط بالفناء
وتتـمثل هذه الأجنحة فـي قاعة الاستقبال، غرفة النوم، الـمطبخ، الإسطبلات...
إلخ.
وفـي عهد الـخليفة "الناصر" شهدت عاصمة الـحمادييـن تغييـرا عـمرانيا هاما
جعل منها مقصد كل سكان الـمغرب خاصة بعد سقوط" القيروان" فـي يد "الـهلالييـن"،
كـما نشيـر فـي عهده إلـى توسيع الـمساجد وبناء القصور، ورغـم انتقال الـخلافة إلـى
مدينة بـجاية بقيت القلعة تلعب دورها كـمدينة هامة فـي الـمغرب الأوسط، وابتداء من
1105 م - حكم الـخليفة العزيز - بدأت القلعة تفقد مكانتها خاصة بعد حصار
الـهلالييـن لـها وهـجرة سكانها إلـى مدن مـجاورة، وتـم القضاء عليها نـهائيا من
طرف الـموحدين فـي عهد "عبد الـمؤمن بن علـي" الذي جهز جيشا ضخما وزحف علـى كل
معارضيه وقـضى عليهم، وقد شهدت سطيف أغلب الـمعارك.
وبعد هذه الفترة لـم تعد
للقلعة نفس الأهمية السياسية التـي اكتسبتها من قبل
عهد الاستعمار
الفــرنسـي
بعد دخول فرنسا للجزائر سنة 1830 م بدأت تـحتل الولايات تباعا، وكان
نصيب ولاية سطيف أن احتلت يوم 15 ديـسمبر 1848 م بقيادة الـجنرال "غـالبـوا" وانتهج
الاستعمار سياسة ماكرة قاهرة حقيـرة اتـجاه الأهالـي، فقد انتزعت منهم أراضيهم
وسلمت للأهالـي وكذلك جـميع الامتيازات الأخرى، وساعدت البنوك الكبرى والشركات
العقارية الرأسمالية هذه العملية، وكانت النتيجة الطبيعية تدهور معيشة الـمواطنيـن
مـما أدى إلـى نشوب ثورات وحركات مسلحة أهمها ثورة" الـمقرانـي" سنة 1871 م والتـي
مست جزءا كبيـرا من منطقة سطيف، لكن هذه الثورات فشلت ولـم تـحقق هدفها النهائـي
الـمنشود.
إن الاستعمار الفرنسـي لـم يولـي أية عناية بالآثار التاريـخية التـي
وجدها بالـمنطقة إذ استعمل الـحجارة الـمنحوتة التـي تعود إلـى العهد الرومانـي فـي
بناء الثكنات العسكرية.
ولقد أصبحت مدينة سطيف رسـميا بلدية بـموجب أمر ملكـي،
كـما أحيطت الـمدينة أثناء الاحتلال الفرنسـي بسور له أربعة أبواب هـي : باب
الـجزائر، باب بسكرة، باب قسنطينة، باب بـجاية.
هذه ونشيـر إلـى أن الـمدينة لـم
تشهد توسعا عـمرانيا كبيـرا إلا فـي عام 1918 م – بعد الحرب العالمية الأولى - وقد
استرجعت مدينة سطيف أهـميتها من الناحية الإستراتيجية خاصة حيـن اتخذها الاستعمار
مركزا لبسط نفوذه علـى بقية الـمناطق والدليل وجود عمارة أوروبية ذات طابع حديث
نوعا ما فـي مدينة سطيف - خاصة وسط الـمدينة -. واستمر الحال كذلك حتـى بدأت حركة
الوعـي تنتشر بعد تأسيس جـمعية العلماء الـمسلميـن الجزائريين خاصة أن أحد مؤسسيها
من منطقة سطيف - كـما يذكر أن الشيخ ابن باديس قد جاء إلـى مدينة سطيف متخفيا ومكث
بعض الوقت وكان يبيت فـي منزل بـمنطقة المعدمين الـخمسة - لـجنـان -.
ومع مرور
الوقت اكتسب سكان سطيف وعيا سياسيا - خاصة بعد تأسيس الأحزاب السياسية الـحديثة ذات
الاتجاه الاستقلالي وظهور الكشافة الإسلامية الـجزائرية التـي أسسها الشهيد" مـحمد
بوراس" وأول من أدخلها - الكشافة - إلـى سطيف هو الشهيد "حسان بـلخيـر" وهذا سنة
1938 م وأسس أول فوج سـماه فوج الـحياة بعد كل هذه الـمعالـم جاءت الظروف لتبرهن
عـما يـختلج من صدق وحـماس فـي ضميـر كل وطنـي غيور علـى وطنه ودينه ولغته وقوميته
وكانت أحداث 08 مـاي 1945 حيث بدأت الـمظاهرات السياسية الـمطالبة بالـحرية
والاستقلال وتـحقيق الوعود الـمعسولة، ورد الـحقوق الشرعية للشعب فكان رد الاستعمار
حاسـما حازما بشعا مأساويا.