رحلة في عالم الإنسان لاكتشاف الأسرار الذي ينطوي عليها هذا الجسم المادي وما يخفي وراءه من حياة معنوية وفكرية وعادات وطباع مكتسبة ووراثية , وذلك من خلال علم الفراسة , فما هو علم الفراسة؟ وهل علم الفراسة عربي أم غربي ؟
الفراسة علم عربي الأصل, تفرس في الشئ أي نظر وتثبت بتمكن وهي مشتقة من حذق أمر الخيل (الفرس) وإحكام ركوبها , والشخص فارس: قي ركوب الفرس أو فارس في الرأي وعلمه بالأمور. وتعرف الفراسة على أنها: طريقة للاستدلال بالخلق الظاهر على الخلق الباطن أي العلم بأمور بدنية ظاهرة تدل على ما خفي في السجايا والأخلاق وعرفت أيضا بأنها الاستدلال من هيئات الإنسان و أشكاله وألوانه وأقواله على أخلاقه وفضائله, فهي الهام وبصيرة تنير الوعي في اللحظة المرجوة فتجعل الرؤية واضحة جلية ...

والفراسة كما فسرها المعجم الوسيط :هي المهارة في التعرف على بواطن الأمور من ظواهرها وهناك أدلة على وجود علم الفراسة منذ أقدم العصور, فقد كتب أبو الطب أبقراط سنة 450 ق. م عن اعتقاده في تأثير البيئة في تشكيل الميول والأخلاق مما ينعكس على ملامح الوجه وقسم أبقراط الناس إلى أنماط تبعا لكيمياء الدم :
لصفراوي:يتميز بحدة الطبع وتقلب المزاج. 2-السوداوي:يتميز بالاكتئاب وينظر اللحياة نظرة سوداء .
3-الليمفاوي أو البلغمي: بارد في طباعه وشعوره وجاف 4- الدموي : يتميز بالمرح والأمل .

وكذلك نرى أن فيثاغورث قد مارس الفراسة في اختيار تلاميذه وأن سقراط اكتشف قدرات أفلاطون في أول مقابلة من ملامح وجهه وأرسطو الذي درس الفراسة في الرجل والمرأة في ملامح الوجه ولون البشرة والشعر وشكل الجسم والأطراف والصوت وكتب في هذا الموضوع أيضا ابن القيم في كتابه مدارج السالكين .
الفراسة قديما وحديثا

قديما- : فراسة الأثر (العيافة) تتبع أثار الأقدام والخفاف والنعال والتربة
-فراسة البشر(القيافة):معرفة الإنسان إلى بشراتهم وملامهم وأجسادهم
- فراسة ومعرفة مصادر المياه (الريافة) من التربة والرائحة ورؤية النبات وحركة الحيوانات ..
- فراسة اللغة ..
- فراسة الحس (اللون والذوق واللمس )

La physionomieحديثا:- فراسة الوجوه (الفيسيونومي )
-فراسة الإيماءات والحركات (الكيني سيكز) وفيها الإحساس بالنبرات والهيئات والمظهر
- فراسة خط اليد (الجرافولوجي ,الجرافونوجي )
- الفراسة المتخصصة (يعرفها الشخص مع الخبرة مثلا بائع العسل, بائع الذهب )
- فراسة الألوان (سيكولوجية الألوان الهالات النورانية )

فما أهمية الفراسة :
يستخدم علم الفراسة في التعرف على طبائع الناس وصفاتهم وخاصة الذين نتعامل معهم في حياتنا اليومية ففي ذلك أهمية بالغة للتعرف على من حولنا بصورة أوضح وأدق بهدف معرفة حدود تعاملاتنا معهم والأهم ألا نتسرع في إصدار الأحكام على الآخرين دون تفكير وروية حتى لا تكون أحكام ظالمة .
ومن الفراسة نتعلم التأمل والنظر في عواقب الأمور فلا ينبغي الاقتصار على النظر السطحي للأمور, ومعرفة أساليب المجرمين وطرائقهم..
وتصنف الفراسة لثلاثة أصناف :

الصنف الأول:
الفراسة الإيمانية:حين يكون القلب موصولا بالله والجوارح عاملة بطاعته كافة عن محارمه, يقذف الله في هذا القلب نورا يميز بين الحق والباطل بين الصادق والكاذب..
إن صاحب هذا القلب يرى بنور الله تعالى , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :(إن لله يعرفون الناس بالتوسم ) هذه المنة من الله عز وجل هي ما يسميه العلماء الفراسة الإيمانية واستدلوا على ذلك بآيات من كتاب الله عزوجل:(إن في ذلك لآيات للمتوسمين) وقوله تعالى :(ولو نشاء لأريناكهم ولعرفتهم بسيماهم )

إن أصل هذه الفراسة هو صفاء ونقاء الروح اللذان يهبها الله لمن يشاء من عباده فيستنير القلب وبالتالي لا تكاد تخطئ له فراسة وان بصر الروح متصل ببصر العقل ,فالعين جارحة والبصر من الروح , وإدراك الأشياء من بينهما ,فإذا تفرغ العقل والروح من أشغال النفس أبصرت الروح وأدرك العقل .
قال ابن القيم رحمه الله وسر هذا الجزاء من جنس العمل ,فمن غض بصره عما حرم الله عزوجل عوضه الله تعالى من جنسه ماهو خيرا منه

أعزائي القراء:
إذا سألنا أنفسنا ماالفرق بين الفراسة والظن ؟ الظن :يخطئ ويصيب وهو مكون من ظلمة القلب ونوره وطهارته ونجاسته ولهذا أمر الله تعالى باجتناب كثيرا منه (ياأيها الذين امنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ) بينما أثنى على الفراسة بقوله تعالى (يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم ) وبما أن الإنسان ليس له وسيلة اتصال بالمستقبل ,فانه من المرجح أن يعتمد على الروح لسبر أغوار المستقبل فهي نعمة من الله تعالى ولها قدرات عظيمة لا تدركها العقول ,أما الأنبياء والرسل فهم يمتلكون الوحي بشكل يخصهم وحدهم وهو الهام رباني أما ما يمتلكه غير الأنبياء من الوحي فيعرف بالتحديث ومن أولئك الحواريون قال الله جل جلاله :(وإذاأوحييت إلى الحواريين أن امنوا بي ورسولي وأشهد بأننا مسلمون ) أما ما يتمتع به المؤمنون الصالحون هو صفة فراسة المؤمن قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (اتقوا فراسة المؤمن فانه يرى بنور الله عز وجل ) كما قال تعالى (أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به ) وهذا النور هو الفراسة الصادقة فتعرف الطرف الأخر أما بعينك من علامات خفية أو من لحن القول أوبحدة ذهنك تستنبط من هذه العلامات حكما أو بنور يقذف في قلبك يكشف لك الحقيقة ..

ومن قصص الفراسة :حكى الشافعي لأستاذه الإمام مالك بعض ما صادفه من علم الفراسة :فقد مر في مرحلته برجل يقف في فناء بيته , وهو رجل أزرق العينين بارز الجبين , وتأمل ملامحه وقال لنفسه :إن علم الفراسة يدل على أن هذا الرجل لئيم خبيث وكان الشافعي مجهدا يلتمس مكانا يستريح فيه ,قال الشافعي سألت الرجل : هل من منزل قال نعم وأنزلني فما رأيت أكرم منه وبعث إلي بعشاء طيب , وعلف لدابتي وفراش ولحاف فقلت أعلم الفراسة دل على دناءة هذا الرجل ,وأنا لم أشاهد منه إلا خيرا, فهذا العلم باطل ولما أصبحت قلت للغلام : أسرج الدابة فلما أردت الخروج قلت للرجل: إذا قدمت مكة ومررت بذي طوى فاسأل عن منزل محمد ابن إدريس فقال الرجل : أعبد أبيك أنا أين ثمن الذي تكلفت لك البارحة قلت وما هو قال اشتريت لك بدرهمين طعاما وعطر وعلف وهكذا.. قلت ياغلام أعطه, فهل بقي شئ قال كراء المنزل فأني وسعت عليك وضيقت على نفسي فضحك مالك وأكمل الشافعي : عظم اعتقادي في علم الفراسة..

والصنف الثاني:
فراسة الرياضة: تعتمد على تجريد النفس من العوالق وتدعى أحيانا بالحذق, ومعظم الناس يمتلكون هذه الفراسة التي سماها العلماء بالحاسة السادسة فهي إحساس فطري لا إرادي بعيد عن المنطق يمكن صاحبه من معرفة المجهول والتنبؤ بالمستقبل, ويمتلكها الناس بدرجات متفاوتة..

هل الفراسة هي الحاسة السادسة ؟
لا الفراسة علم له تفسيراته في علم النفس والنثر وبولوجي والوراثة أما الحاسة السادسة فتدخل في علوم ما وراء الطبيعة ( العلوم التي تشمل ظواهر وسلوكيات ليس لها تفسير )
هل الفراسة هي الحدس وسرعة البديهة :
لا,لكنها مهارات ومواهب مفيدة من قدرات الفراسة .

هل قراءة الكف من الفراسة :
تحدث عنها العرب والغرب على أنها من أنواع الفراسة لكنها اقترنت بكشف الطالع والمستقبل وبينت على أساسات ضعيفة لا يمكن دراستها والتحقيق منها مما يجعلها أقرب لعلم التنجيم ..
أيهما أفضل الرجل أم المرأة في الفراسة(تحديدا في فراسة الملامح والإيماءات ) :هناك دراسة تقول أنه لا يوجد فرق , هناك دراسة تقول أن المرأة أفضل في قراءة تعبيرات الوجه والحركات والإيماءات لارتباطها القوي مع أطفالها منذ ولادتهم فهي تتعود على فهم ملامحهم وتعبيراتهم في الوقت الذي تتواصل معهم لا لفظيا لعدم اللغة لديهم وهناك دراسة تقول أن المرأة تتفرس أشياء وكذلك الرجل فكل شخص له طريقته في التفرس ,مع أن التاريخ يشهد بأن الرجال كانوا ولا زالوا الأفضل في جميع أنواع الفراسة كالرسل وآل البيت والصحابة وأهل القضاء والطب والعلماء وأهل الفقه ...

الصنف الثالث:
الفراسة الخلقية : منذ القدم استطاع العلماء أن يلاحظوا وجود رابطة بين الشكل الخارجي للإنسان وبين شخصيته وطباعه واستطاع الأقدمون أن يشرحوا بطرقهم الخاصة كيف يمكن للوجه بتقسيماته وتعابيره وحركاته أن يعطينا فكرة عن خصائص الشخصية وهذه بعض الأقوال لعظماء في التاريخ :

إن العيون الكبيرة لا تقوم فقط بإضفاء الجمال على الوجه ولكنها تعكس وتميز ذكاء صاحبها (هوميروس)
إن الذي يحمل في وجهه أنفا طويلا لحميا هو شخص محب للجمال ولكنه يكون أقل ذكاء مما يعتقد ( أي أنه مغرور )

أما ذلك الذي يملك شعرا أسودا فهو إنسان يعمل كل مابوسعه لإنهاء العمل الذي بدأه ,أما الذي يدور برأسه دون سبب فهو شخص متعثر كذوب غدار وميال السوء ( الراهب ألبرت الكبير )
إن أصحاب الجبهة الضيقة هم أناس مخادعون وهكذا قام (فوشيه ذو الجبهة الضيقة ) بخداع نابليون والتغرير به ( بوردون ) وأيضا نستطيع أن نعرف الناس وأفعالهم عن طريق تحديد درجة شبههم بحيوان ما, فوجه أفلاطون يشبه وجه كلب الصيد (أرسطو) وهناك محاولة حديثة لتطبيق رأي التشابه بين وجه الثعلب ووجه فولتير ووجه بيتهون ووجه الأسد , وبداية الخطوات الجديدة المرتكزة على أسس علمية كانت في 1772 على يد العالم لافاتير

وبعده غوته وغيره ممن تبنوا هذا العلم وسمي علم دراسة الصفات وأدخل له عامل جديد وهو دراسة تعابير الوجه وحركاته .. ولعل الشكل الخارجي للشخص يبقى مرآة تعكس توازنه النفسي والجسدي فعلى الصعيد النفسي للشخص تنعكس على مظهره الخارجي من خلال تأثيرها على عضلاته والأمراض الجسدية تخلف آثارها على المظهر الخارجي بعد علاجها والفراسة الخلقية تعتمد على : الاستدلال بالخلق الخارجي للإنسان على خلقه وهذا يمكن اكتسابه بالخبرة والتدريب ودراسة تعابير الوجه وحركات الجسم ويسمى فن دراسة الشخصية من خلال الشكل الخارجي

فكيف يفسر علم الفراسة أشياء تعد جزء منها ؟
وكذلك يجب أن ندرك أهمية الفراسة والصفات التي تشير إليها علامات عضوية تشير إلى أخلاق أصحابها وسلوكهم . عن طريق الفراسة الخلقية يمكننا أن نتعرف على الأشخاص حتى بدون كلام من خلال الكثير من الظواهر لنأخذ بعض الأمثلة : من وقفته ..وقفة المتقدم إلى الأمام الناظر لشئ ما وموجه انتباهه إليه فذلك يظهر حنان ودفء الشخصية وقفة الانسحاب فهو لا يثبت على حال يدل على الخجل والملل والتردد

وقفة المنتصب تشير إلى قوة التحمل والفخر والثقة بالنفس من عينيه من يغلق عينيه أثناء النقاش ربما يحاول أن يتذكر شئ ما ويستعيد المعلومات بشكل مركز العين المراوغة تحملق تارة في الهواء وتارة في الأرض
يتجنب الناس النظر الطويل إلى عيون بعضهم لأن ذلك يدل على الخداع والحسد والحياء وأيضا عن طريق سمعه ,من سلوكه وعاداته , من جلسته وقعوده ونومه ,من ابتسامته وضحكته ودموعه و لونه المفضل فاللون الأخضر محب اجتماعي ونشيط وفخور بنفسه ويعاني من التوتر العصبي السريع

اللون الأبيض للشخصية الشفافة الصافية

اللون الأحمر لون التفاؤل والحيوية والشباب

اللون الأزرق للشخص الذي يحتاج إلى الإحساس بالهدوء وتبين أن هذا اللون يخفض ضغط الدم ويشجع على الاسترخاء وأقول بما أننا مسلمين فأن مرجعنا الأول والأخير هو القرآن الكريم لمعرفة صدق العلم أو كذبه فإذا اتفق العلم مع القرآن علمنا صدقه والقرآن لا يشير إلى صفات جسمية معينة ولكن كتاب الله عز وجل نظرنا إلى علم الفراسة بمدلولها الحديث الذي يعبر عنه القرآن الكريم بمفردات مثل (سيماهم ,سنسمه ,للمتوسمين ) وقد أهتم القرآن ببيان الإشارات التي تبدر من الناس لبيان ما يجول بخاطرهم والذي قد يتعارض مع ما تقوله ألسنتهم ...

وأخيرا: المعرفة فضيلة والعلم بالشي أفضل من الجهل به وكل ما هو جديد علينا لا بد أن نتعرف عليه وسأنهي بقول للإمام علي كرم الله وجهه :(خالطوا الناس مخاطه إن متم معها بكوا عليكم , وان عشتم حنوا إليكم ) فعش في هذه الحياة كعابر سبيل يترك وراءه أثرا جميلا, عش مع الناس كمحتاج يتواضع لهم, وكمستغن يحسن إليهم وكمسئول يدافع عنهم ولا تعش كثعلب يمكر بعقولهم فان حياتك من حياتهم ومن بقاءك من بقائهم, ودوام ذكرك بعد موتك من ثنائهم.