مع فلسطين ظالمة أو مظلومة .. صور للرئيس الراحل هواري بومدينولد
الطفل محمد ابراهيم بوخروبة في دوار بني عدي "عرعرة" مقابل جبل هوارة في
مجاز عمار غرب ولاية قالمة الجزائرية في الثالث والعشرين من اغسطس أب سنة
1932, لفلاح بسيط من عائلة كبيرة العدد ومتواضعة الحال تنتمي الى عرش بني
فوغال التي نزحت من ولاية جيجل عند بداية الأحتلال الفرنسي.
في سنة
1936, أنضمَ الطفل محمد ابراهيم المعروف بأسم هواري بومدين الى الكتّاب
"المدرسة القرانية" في القرية التي ولد فيها, وحينما بلغَ السادسة من العمر
دخلَ الى مدرسة ألمابير في مدينة قالمة "مدرسة محمد عبدة حالياً", ليدرس
فيما بعد في المدرسة الفرنسية وفي نفس الوقت لازمَ الكتّاب.
تمكنَ
الفتى هواري بومدين مِن ختم القران الكريم وأصبحَ يدرس أبناء قريته المُصحف
واللغة العربية, ثم توجه الى المدرسة الكتانية في مدينة قسنطينة حيث درسَ
على يد الشيخ الطيب بن لحنش.
التحقَ الشاب هواري بومدين بمدارس
ولاية خنشلة معقل جمعية العلماء المسلمين الجزائريين, حيث كانت سلطات
الأحتلال الفرنسي تعتبر الجزائريين فرنسيين وتفرض عليهم الألتحاق بالثكنات
الفرنسية عند بلوغهم سن 18.
رفضَ الشاب الأنصياع لخدمة العلم
الفرنسي وفرَ من الجزائر -أكبر البلدان العربية والأفريقية من حيث المساحة-
الى تونس سنة 1949, وفيها التحقَ بجامع الزيتونة الذي كانَ يقصده العديد
من الطلبة الجزائريين, ثم أنتقلَ بومدين من تونس الى القاهرة سنة 1950
لينضم الى جامع الأزهر الشريف حيث درسَ هناكَ وتفوقَ في أكتساب العلم.
معَ
اندلاع الثورة الجزائرية في الأول من نوفمبر تشرين الثاني سنة 1954, أنضمَ
هواري بومدين الى جيش التحرير الوطني في المنطقة الغربية وتطورت حياته
العسكرية كالتالي:
-في سنة 1956, أشرفَ على تدريب وتشكيل خلايا عسكرية وقد تلقى في مصر التدريب.
-في سنة 1957, أصبحَ مشهوراً بأسمه العسكري هواري بومدين وتولى مسؤولية الولاية الخامسة.
-في سنة 1958, أصبحَ قائد الأركان الغربية.
-في سنة 1960, أشرف على تنظيم جبهة التحرير الوطني عسكرياً ليصبح قائد الأركان.
-في سنة 1962, أصبحَ وزير الدفاع في حكومة الأستقلال.
-في سنة 1963, أصبحَ نائب رئيس المجلس الثوري.
- في سنة 1965, أصبحَ الرئيس الثاني للجزائر بعد الأستقلال في أنقلاب على الرئيس أحمد بن بله أصطلحَ عليه تسمية التصحيح الثوري.
بعد
أن تمكن هواري بومدين من ترتيب البيت الداخلي، شرع في تقوية الدولة على
المستوى الداخلي وكانت أمامه ثلاث تحديات وهي الزراعة والصناعة والثقافة،
فعلى مستوى الزراعة قام بومدين بتوزيع آلاف الهكتارات على الفلاحين الذين
كان قد وفر لهم المساكن من خلال مشروع ألف قرية سكنية للفلاحين وأجهز على
معظم البيوت القصديرية والأكواخ التي كان يقطنها الفلاحون، وأمدّ الفلاحين
بكل الوسائل والإمكانات التي كانوا يحتاجون إليها.
وعلى صعيد
الصناعات الثقيلة قام هواري بومدين بإنشاء مئات المصانع الثقيلة والتي كان
خبراء من دول الكتلة الاشتراكية ومن الغرب يساهمون في بنائها، ومن القطاعات
التي حظيت باهتمامه قطاع الطاقة، ومعروف أن فرنسا كانت تحتكر إنتاج النفط
الجزائري وتسويقه إلى أن قام هواري بومدين بتأميمه الأمر الذي انتهى بتوتير
العلاقات الفرنسية –الجزائرية، وقد أدى تأميم المحروقات إلى توفير سيولة
نادرة للجزائر ساهمت في دعم بقية القطاعات الصناعية والزراعية. وفي سنة
1972 كان هواري بومدين يقول أن الجزائر ستخرج بشكل كامل من دائرة التخلف
وستصبح يابان الوطن العربي.
بعد أندلاع حرب أكتوبر تشرين الأول سنة
1973, التقى بومدين برئيس الأتحاد السوفيتي السابق ليونيد بريجينف الذي
كانَ غاضباً على أنور السادات بعد طرده للخبراء الروس من مصر وقرار موسكو
بأن لا يمدوا القاهرة بالسلاح, فتمكنَ بومدين من أقناع بريجينف بأن يزود
مصر بشحنات السلاح كي لايخسر العرب, الا أن بريجينف أشترطَ بأن تدفع
القاهرة تكلفة السلاح قبل استلامه, فلم يتردد هواري بومدين بالتوقيع على صك
بمبلغ 200 مليون دولار قيمة الأسلحة الموجهة الى ام الدنيا.
دور
الجزائر لم يتوقف الى هذا الحد منذُ وقت مُبكر, ففي سنة 1965 فتح أول مكتب
للثورة الفلسطينية في شارع فكتور هيغو بقلب العاصمة الجزائر وهو مقر
السفارة الفلسطينية حالياً, وترأسَ المكتب القائد الشهيد خليل الوزير أبو
جهاد, كما عملت الجزائر على تدريب المقاتلين الفلسطينيين ومنها التدريب على
سلاح الطيران, وكذلك تهريب الأسلحة الجزائرية الى فلسطين عبر أراضي
البلدان العربية.
عُرف عن بومدين عدة مقولات ثورية تجاه فلسطين,
منها مقولته الشهيرة في الأمم المتحدة ( نحن مع فلسطين ظالمة أو مظلومة),
وكذلك (طلقة رصاصة على الصهاينة أفضل من خطاب في جمعية الأمم).. (إن القضية
بالنسبة للفلسطينيين ليست خبز، بل هي قضية وطن فقدوه)..(لا يحق لنا أن
نستأسد على الفدائيين ونشردهم فكفى هؤلاء الفدائيين تشريد الصهيونية)..(إن
حكومة مثل هذه مازالت تتكلم باسم العرب والعروبة، ومادامت الحالة هكذا فلن
ينجح العرب، آلاف الناس ذبحوا، مدافع ودبابات هاجمت خياما على حد قول
الشاعر العربي "أسد عليّ وفي الحروب نعامة", يستأسدون فقط على اللاجئين
الفلسطينيين العزل)..(إن أمتنا اليوم في مفترق الطرق، والقضية الفلسطينية
بالنسبة لنا هي المفجر الذي ينسف العلاقات العربية، لأنه يصعب علي أن أصافح
يدا عربية قامت بذبح الفلسطينيين، ويصعب علينا كمجاهدين أن نمد أيدينا
لأولئك الذين يريقون دماء إخوانهم، لأننا ما زلنا نذكر دماء زكية لنا سالت
في سبيل الحرية)..(إننا إذ نختلف مع بعض إخواننا في المشرق ، فإننا نختلف
معهم لأسباب تاريخية، وإذا اتفقنا معهم على ما يحدث وسكتنا عليه، فإن هذا
خيانة للشعب الفلسطيني الذي يعيش من تشرد إلى تشرد، ومن مذبحة لأخرى ثم
يرتفع هناك صوت يقول بأن 99 % من أوراق القضية في يد دولة بعينها)..(فإذا
أردنا نحن العرب أن نسترجع كرامتنا وان نساعد الشعب الفلسطيني على استرجاع
حقوقه المغتصبة فعلينا أن نكون شاعرين بأنه أمامنا إلا المعركة والنضال
والتضحيات وليس هناك طريق آخر بديل غير طريق الهزيمة وطريق الاستسلام)..(هل
الأمة العربية مستعدة لبذل الثمن الغالي الذي تتطلبه الحرية؟ وإن اليوم
الذي يقبل فيه العرب دفع الثمن لهو اليوم الذي تتحرر فيه فلسطين)..(انتصرت
دولة الصهيونية في معركة لكنها لم تستطع بأي حال من الأحوال أن تنتصر على
الأمة العربية كلها، وعلى الشعب العربي، إذ يستحيل عليها أن تبتلع أكثر من
مائة مليون عربي، يستحيل عليها سواء أيدها الأمريكيون أو غير الأمريكيون
بطائراتهم أو بكل الأسلحة الجهنمية، يستحيل على دولة الصهاينة أن تبتلع كل
الوطن العربي)..(نحن الآن في مفترق الطرق وفي منعرج تاريخي وهزيمة 1967 إذا
كانت تحققت وإذا كانت لا قدر الله وقع حل غدا على حساب الفدائيين العرب،
الفدائيين الفلسطينيين فمعناه أننا سوف لا نلتقي أبدا إلى يوم القيامة).
توفي
الرئيس الراحل هواري بومدين صاحب شعار (بناء دولة لاتزول بزوال الرجال)
بمرض نادر أستعصى علاجه في السابع والعشرين من ديسمبر سنة 1978, وقد ظنَ
الأطباء بانه مصاب بسرطان المثانة, غير أن التحاليل الطبية فندت ذلك, وذهب
الطبيب السويدي "جان جي والدنستروم" الى القول بأن هواري بومدين أصيبَ بمرض
"والدنستروم ماكروغلوبولينِميا - سرطان الغدد الليمفاوية-", الا ان الطبيب
والدنستروم صاحب أكتشاف المرض في الأساس في سنة 1944 نفى أصابة بومدين
بهذا المرض بعد التاكد من الأختبارات في غيبوبته التي استمرت 39 يوماً,
لتظهر عدة أقاويل فيما بعد تُرجح أغتيال بومدين بمادة سُمية بتخطيط من قبل
جهاز مخابرات دولة كُبرى.